الفجوة التنموية بين المحافظات الجاذبة والطاردة للمهاجرين
د. محمد إبراهيم العزبي، أحمد إسماعيل أبو سالم
كلية الزراعة جامعة الإسكندرية كلية الزراعة جامعة دمنهور
استهدفت الدراسة تحديد المحافظات الجاذبة للمهاجرين والمحافظات الطاردة لهم، وافترضت وجود فجوة تنموية بين المجموعتين، واستخدمت اختبار Tلاختبار معنوية الفروق بين متوسطي المجموعتين في أحد عشر مؤشراً من مؤشرات التنمية البشرية لمصر في عام 2006، هي دليل التنمية البشرية ودليل الناتج المحلى الإجمالي ودليل توقع الحياة ودليل التعليم ونسبة الأسر المتصلة بشبكة صرف صحي، ومتوسط عدد المشتركين في خدمة الإنترنت لكل ألف من السكان، ونسبة الفقراء من السكان، والنسبة المئوية لقوة العمل في الزراعة، ونسبة البطالة، ومعدل النمو السنوي للسكان، ونسبة الإعالة الديموجرافية.
وقد أوضحت نتائج الدراسة أن المحافظات الجاذبة للمهاجرين عام 2006 مرتبة تنازلياً هي: الجيزة والقليوبية والإسماعيلية والإسكندرية وبور سعيد والسويس والبحر الأحمر والقاهرة ومطروح وجنوب سيناء وشمال سيناء والوادي الجديد. والمحافظات الطاردة للمهاجرين هي: الأقصر وأسوان ودمياط وكفر الشيخ والبحيرة وبنى سويف والفيوم وقنا والمنيا والغربية والشرقية وأسيوط والمنوفية وسوهاج والدقهلية مرتبة تصاعدياً.
وأشارت نتائج الدراسة إلى وجود فروق معنوية إحصائياً بين مجموعتي المحافظات الجاذبة والطاردة للمهاجرين في ثمانية من المؤشرات التنموية الأحد عشر. وانتهت الدراسة بمناقشة لأهم نتائجها، وتقديم مقترحات لمواجهة مشكلة الهجرة العشوائية في إطار علاقتها الوثيقة بعملية التنمية الشاملة لمصر.
مشكلة الدراسة
تسهم الهجرة الداخلية في إعادة التوزيع الجغرافي للسكان بما قد ينجم عن ذلك من آثار إيجابية أو سلبية على المناطق المهاجر منها أو المناطق المهاجر إليها. ويمكن تلخيص الآثار الإيجابية في إعادة توزيع السكان داخل المجتمع الواحد بما يقلل الضغط السكاني في المناطق عالية الكثافة السكانية، ومقابلة الطلب المتزايد على الأيدي العاملة في المناطق الصناعية الجديدة، واستغلال المناطق المستصلحة حديثا بما يفيد المهاجرين، وفى نفس الوقت تخفيف الضغط السكاني على المناطق القديمة، وتوفير فرص عمل لغير المهاجرين في مناطق الأصل نتيجة هجرة القوى العاملة الزائدة من تلك المناطق إلى المناطق الأخرى، كما أن الهجرة قد تعتبر وسيلة اتصال بين المناطق المهاجر منها والمهاجر إليها، وبالتالي تقليل التباين الثقافي والاجتماعي بينهما (سلامة، 1974: 54-55، العزبى، 2011: 127، 128).
ويمكن تلخيص الآثار السلبية للهجرة الداخلية في نقص الأيدي العاملة في المناطق المهاجر منها، وما قد يترتب على ذلك من تعطل بعض الأعمال وارتفاع أجور العاملين بها، وكذلك ظهور عديد من المشاكل للمناطق المهاجر إليها كالمشاكل السكنية والغذائية والصحية والأمنية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وذلك نتيجة لعدم قدرة هذه المناطق على استيعاب المهاجرين إليها (جورجى، 1977، إبراهيم، 1982، العزبى، 1995: 80-81).
ويبدو أن نصيب مصر من الآثار السلبية للهجرة الداخلية أكبر من نصيبها من الآثار الإيجابية، فقد أشارت كثير من الدراسات إلى أن الهجرة العشوائية في مصر، خاصة الهجرة من الريف إلى الحضر، كانت سببا في خلق العديد من المشاكل بسبب نزوح أعداد كثيرة من المهاجرين إلى المناطق الحضرية أكثر مما تستطيع أن تستوعبه مختلف الأنشطة الاقتصادية بها، وكانت النتيجة تكدس المناطق الحضرية بأعداد كثيرة من السكان، وظهور مشاكل الإسكان والمواصلات والصحة والتعليم والغذاء والجرائم والتشرد وغيرها، وتفاقم ظاهرة المناطق العشوائية بالمدن المصرية (جامع، 2010، العزبى، 2011: 132).
ويرى بعض المحللين أن تباين المستوى التنموي بين المناطق المهاجر منها والمهاجر إليها قد يكون أحد أهم أسباب الهجرة وما يترتب عليها من آثار، حيث يهاجر الريفيون إلى الحضر بسبب ما يوجد بالمناطق الحضرية من مغريات وقوى جاذبة عديدة، وكنتيجة لسوء الحالة في المناطق الريفية، فنمط التنمية الذي عمل على إقامة المشروعات الجديدة في المناطق الحضرية، وخاصة في المدن الرئيسية، قد أدى إلى جذبها لأعداد كبيرة من السكان من المناطق الأخرى الأقل مستوى، وذلك سعيا وراء فرص العمل والخدمات الأفضل (العيسوى، 1983، Bakewell, 2009 )
في ضوء ما تبين من أهمية وخطورة ظاهرة الهجرة الداخلية في مصر، وخاصة الهجرة العشوائية أو غير المنضبطة، وعلاقتها المحتملة بعملية التنمية وتفاوتها بين المناطق المختلفة، يبدو من الأهمية بمكان دراسة العلاقة بين الهجرة الداخلية في مصر والمستوى التنموي للمناطق المهاجر منها والمناطق المهاجر إليها، والتعرف على الفروق التنموية بين المناطق الجاذبة للمهاجرين والمناطق الطاردة لهم. والدراسة الحالية إن هي إلا محاولة في هذا المجال.
أهداف الدراسة:
تستهدف الدراسة تحقيق الأهداف التالية :
تحديد المحافظات الجاذبة للمهاجرين والمحافظات الطاردة للمهاجرين.
تحديد الفروق في المستوى التنموي بين المحافظات الجاذبة والمحافظات الطاردة للمهاجرين.
تقديم مقترحات تستند إلى نتائج الدراسة يمكن الاستفادة منها في ضبط الهجرة الداخلية في مصر، وما قد ينجم عنها من آثار تنموية.
الاستعراض المرجعي
تعرف الهجرة بأنها تغيير محل الإقامة من مكان الأصل أو المغادرة orgin إلى مكان يطلق عليه المقصد أو الوصول destination وبذلك تدخل الهجرة في إطار الانتقال والتحرك من الموطن الأصلي إلى محل إقامة جديدة على مسافة معينة يترتب عليها نتائج جغرافية وديموجرافية واقتصادية. وإذا كان هذا الانتقال داخل الدولة ذاتها تكون الهجرة داخلية internal migration وإذا تخطت الحدود الخاصة بدولة معينة تكون هجرة خارجية international migration (الأمم المتحدة، 1967). وتشتمل الهجرة الداخلية على مصطلحين يصفان الأشخاص المهاجرين وهما الوافدونin-migrants والنازحون out-migrants Petersen, 1975)).
وتحفل أدبيات الهجرة برؤى أو نظريات لتفسير الهجرة من بينها ما توصل إليــه رافنشتين (حمد، 2008: 247) من أن قوى الجذب أكثر دفعا للهجرة من قوى الطرد، حيث إن القوانين والضرائب الباهظة أو المناخ السيىء أو المحيط الاجتماعي غير المناسب أو العبودية، كل ذلك يولد تيارات للهجرة، ولكنها لا تقارن بالتيارات الناشئة عن رغبة البشر في تحسين أحوالهم بالمعنى المادي، أي أن الرغبة في الأفضل هي دافع أقوى من الرغبة في الهروب من واقع سيىء. وتخلق عوامل الطرد سواء كانت بيئية أو اقتصادية أو اجتماعية توتراً ودافعاً للهجرة، ولكن الهجرة لا تحدث إلا إذا تأكد الشعور بوجود بديل أفضل وهو ما يسمى بعوامل الجذب.
ويذكر العمودي (1994: 13، 14) أن أول من صاغ فكرة الجذب والطرد لعملية الهجرة هو هربريل Herberle في مؤلفة أسباب الهجرة الريفية الحضرية عام 1938 ويمكن تلخيص عوامل الطرد في تدهور في بعض الموارد المحلية أو انخفاض أسعارها، أو تدهور في حجم الطلب على سلعة أو خدمة ما يعتمد عليها السكان كمصدر رئيسي للدخل، والبطالة بسبب الركود الاقتصادي أو ميكنة الإنتاج، ومن ثم عدم الحاجة أو الاستغناء عن الأيدي العاملة، والتمييز أو التفرقة في المعاملة بسبب الاختلاف في الاتجاهات السياسية أو الاختلافات الدينية أو العرقية أو غيرها والاغتراب أو الشعور بالاختلاف أو التميز عن بقية أفراد المجتمع أو قيمه أو ثقافتة، أو ندرة فرص الحراك الاجتماعي أو الزواج في مكان الأصل، أو بسبب الكوارث الطبيعية.
أما عوامل الجذب فيمكن تلخيصها في وجود فرص عمل أفضل في مكان القصد، أو فرص لزيادة الدخل، أو فرص تعليمية أو تدريبية أفضل، أو وجود ظروف بيئية أو معيشية أفضل، أو الانتقال بسبب هجرة المعيل أو بسبب هجرة الزوج أو الزوجة، أو بسبب المغريات الثقافية المتوافرة في المدن الكبيرة. ولا تخرج معظم عوامل الجذب والطرد التي ورد ذكرها في المراجع المختلفة عن تلك العوامل السابق ذكرها (سلامة، 1974: 42، هلول، 1987، جامع، 2010: 241، العزبى، 2011).
ويوضح العمودي (1994: 16-17) أن الهجرة تتوقف على عملية اتخاذ القرار حتى لو كان هناك عوامل جذب وطرد، حيث إن هذه العوامل لا تؤثر على كل الأفراد بالتساوي، ولكن الذي يهاجر هو من اتخذ قرار الهجرة، وتفترض نظرية الجذب والطرد أن هذا القرار يتخذ على أساس الاختيار العقلاني لكن الاختيار العقلاني للهجرة ما هو إلا سبباً مباشراً ظاهراً، وهناك أسباب أخرى كامنة هي التي تقرر سلفا حالة الاختيار، وهى عبارة عن أحداث تدفع الفرد إلى نقطة اتخاذ القرار.
وقد لا تكون عوامل الجذب حقيقية قدر ما تكون تصورات ليس لها أساس من الواقع. فقد يندفع عدد كبير من السكان الريفيين إلى مناطق حضرية تحت وطأة الظروف الاقتصادية السيئة، ومستوى المعيشية المتدني في الريف، اعتقاداً منهم بوجود فرص عمل وفيرة وأجور مرتفعة في المدينة، غير أن الحقيقة قد تظهر أن تلك الفرص غير متوفرة أو على الأقل ليست كافية لمقابلة احتياجات الأعداد الكبيرة من المهاجرين، فتكون النتيجة زيادة البطالة المقنعة والسافرة بالمناطق الحضرية، وخلق العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بها (العزبى، 2011: 135).
وفى إطار العلاقة بين الهجرة والتنمية يرى دى هاس (De Hass, 2005, De Hass, 2008)أن العلاقة بين الهجرة والتنمية يجب أن تركز على الجانب الأوسع للتنمية والذي يتضمن كلا من الجوانب الاجتماعية والثقافية إلى جانب ارتفاع مستويات الدخول وتحسين وسائل النقل والاتصالات والبنية التحتية، وأيضا عوامل مثل التعليم والحصول على المعلومات ورأس المال الاجتماعي، ولا تقتصر علاقتها على التنمية الاقتصادية والديموجرافية والبنية التحتية فقط.
وتشير نتائج بعض الدراسات التي أجريت في مصر عن علاقة الهجرة الداخلية ببعض العوامل التنموية إلى أن الفجوة الاقتصادية كانت أحد أهم الأسباب الرئيسية للهجرة (نعيم ومخول، 2005، الجهاز المركزة للتعبئة العامة. والإحصاء 2005، Zohary, 2005، منى النشار وآخرون، 2006: 28- 75،107 : Zohary, 2009).
وتظهر نتائج الدراسات أيضاً أن من أهم أسباب الهجرة الداخلية في مصر عدم توافر كثير من المرافق والخدمات الأساسية الملائمة التعليمية والصحية والسكنية والترفيهية في كثير من المناطق الريفية، وخصوصاً تلك التي تبعد مسافات كبيرة عن المدن(Sallam and Knop,1982، هلول، 1988، جامع، 2010، العزبى 2011).
يبدو مما سبق أن الظروف الاقتصادية والتعليمية والخدمية مرتبطة بنمط التنمية، وأن الهجرة هي محصلة لدرجة التنمية في المجتمع، فالمجتمعات المحلية ذات المستوى التنموي المرتفع تكون جاذبة للمهاجرين، بينما تكون المجتمعات المحلية ذات المستوى التنموي المنخفض طاردة للمهاجرين، وهذا ما أشارت إليه كثير من الدراسات (نعيم ومخول، 2005، (Bakewell,2009,Claudia Natali, 2009.
ويرى دى هاس (De Hass, 2008)أن معدلات الهجرة تزداد بزيادة المستوى التنموي للمناطق المهاجر إليها في المدى القصير، أما على المدى الطويل فإن معدلات الهجرة الداخلية تتناقص نتيجة لتلاشى الفوارق التنموية بين المناطق المهاجر منها والمهاجر إليها.
متغيرات وفروض الدراسة
يتبين من الاستعراض المرجعي السابق وبخاصة ما يتعلق بأسباب الهجرة وخصائص المناطق المهاجر منها والمهاجر إليها، وجود تباين في المستوى التنموي للمناطق المهاجر منها والمهاجر إليها بما يتضمنه ذلك من مدى توافر الخدمات الملائمة وفرص العمل المطلوبة فالمناطق الجاذبية للمهاجرين يبدو أنها أعلى في مستواها التنموي من المناطق الطاردة للسكان. وبناء على ذلك فإن الدراسة الحالية تسعى إلى صياغة واختبار عدة فروض بحثية عن علاقة صافى الهجرة بين المحافظات والمستوى التنموي لتلك المحافظات مقاساً ببعض المؤشرات التنموية الواردة في تقرير التنمية البشرية لمصر عام 2008 الصادر عن معهد التخطيط القومي بالتعاون مع الصندوق الإنمائي للأمم المتحدة.
والمؤشرات التنموية المختارة هي: دليل التنمية البشرية، ودليل الناتج المحلى الإجمالي، ودليل التعليم، ودليل توقع الحياة، ونسبة الأسر المتصلة بشبكة صرف صحي، ومتوسط عدد المشتركين في خدمة الإنترنت لكل ألف نسمة من السكان، ونسبة الفقراء من السكان، والنسبة المئوية لقوة العمل في الزراعة، ونسبة البطالة، ومعدل النمو السنوي للسكان في الفترة من 1996- 2006، ونسبة الإعالة الديموجرافية. وينبغي التنويه هنا بأن تلك المؤشرات بعضها مؤشرات تنموية إيجابية وبعضها مؤشرات تنموية سلبية.
وقد تم صياغة عدة فروض بحثية عن علاقة كل من تلك المتغيرات بصافي الهجرة الداخلية بين محافظات مصر، حيث قسمت المحافظات إلى " جاذبة " للمهاجرين إذا كان صافى الهجرة موجبا، وطاردة للمهاجرين إذا كان صافى الهجرة سالبا، وبيان هذه الفروض كما يلي:
من المرجح أن المحافظات الجاذبة للمهاجرين أعلى من المحافظات الطاردة للمهاجرين في كل من دليل التنمية البشرية، ودليل الناتج المحلى الإجمالي، ودليل التعليم، ودليل توقع الحياة، ونسبة الأسر المتصلة بشبكة صرف صحي، ومتوسط عدد المشتركين في خدمة الانترنت/ 1000 من السكان.
من المرجح أن المحافظات الجاذبة للمهاجرين أقل من المحافظات الطاردة للمهاجرين في كل من: نسبة الفقراء من السكان، والنسبة المئوية لقوة العمل في الزراعة، ونسبة البطالة بين السكان، ومعدل النمو السنوي للسكان في الفترة 1996- 2006، ونسبة الإعالة الديموجرافية.
الإجراءات البحثية
المجال الجغرافي والبشرى
تغطى الدراسة الحالية جمهورية مصر العربية، حيث تتناول الهجرة الداخلية بين مختلف محافظاتها ويتكون المجال البشرى للدراسة من جميع سكان الجمهورية وفقا لبيانات التعداد العام للسكان لعام 2006 الموزعين على مختلف محافظات مصر التي وفد إليها أو نزح منها مهاجرون. وقد بلغ عدد سكان مصر المقيمين داخلها وقت إجراء التعداد العام حوالي 5ر72 مليون نسمة عام 2006 (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2008)
مصادر البيانات:
تعتمد الدراسة في المقام الأول على البيانات الثانوية المتحصل عليها من مصدرين رئيسين هما: التعداد العام للسكان لعام 2006، وتقرير التنمية البشرية لمصر عام 2008 الصادر عن معهد التخطيط القومي بالتعاون مع الصندوق الإنمائي للأمم المتحدة. وقد استخدمت بيانات التعداد العام للسكان في الحسابات المتعلقة بحجم الهجرة الوافدة والنازحة وصافى الهجرة بين المحافظات، والمهاجر وفقا لهذه البيانات هو الشخص الذي يختلف محل إقامته وقت إجراء التعداد عن محل إقامته السابق، أما تقرير التنمية البشرية فقد استخدمت بعض مؤشرات التنمية البشرية الواردة به عن عام 2006 على مستوى المحافظات.
قياس متغيرات الدراسة
3-1 المتغير التابع (صافى الهجرة) تم قياس صافى الهجرة على مستوى المحافظات عن طريق حساب الفرق بين جملة الوافدين إلى المحافظة من المحافظات الأخرى والنازحين منها إلى المحافظات الأخرى، وتم تحويل صافى الهجرة إلى متغير أسمى مكون من فئتين هما: محافظات جاذبة (إذا كان صافى الهجرة الخاص بها موجباً) ومحافظات طــاردة (إذا كان صافى الهجرة الخاص بها سالبا)0.
3-2 قياس المتغيرات المستقلة (المؤشرات التنموية): قيم المؤشرات التنموية المستخدمة في الدراسة الحالية للمحافظات مأخوذة من تقرير التنمية البشرية مصر (2008) السابق الإشارة إليه، وفيما يلي عرض موجز لكيفية قياس هذه المؤشرات، ويرجع إلى تقرير التنمية البشرية لمزيد من التفاصيل المتعلقة بالقياس.
لو (1 + ي) = 1/ ق (لو عدد السكان في عام 2006 – لو عدد السكان في عام 1996). حيث ي هي معدل الزيادة السنوية، و(ق) هي عدد السنوات بين التعدادين.
11- نسبة الإعالة الديموجرافية (عبء الإعالة): عبارة عن:
(عدد الأفراد الذين أقل من 15 سنة + عدد الأفراد 65 سنة فأكثر)/ (عدد الأفراد 15 سنة إلى أقل من 65 سنة)× 100
أساليب التحليل الإحصائي
لاختبار فروض الدراسة تم تحويلها إلى فروض صفرية (لا يوجد فرق بين مجتمعي متوسط المؤشر التنموي) وفروض بديلة (يوجد فرق بين مجتمعي المتوسطين). واستخدم اختبار النسبة التائية لاختبار دلالة الفرق بين متوسطي كل مؤشر تنموي للمحافظات.
وتحسب قيمة النسبة التائية (ت) كما يلي:
ت = الفرق بين المتوسطين/ تقدير الخطأ المعياري للفرق بين المتوسطين ويرفض الفرض الصفري إذا كانت قيمة (ت) المحسوبة أكبر من القيمة الحرجة.
ت2
ت2 + د ح
ولقياس قوة العلاقة بين المتغيرين استخدم معامل الارتباط الثنائي المتسلسل (ر ث م) التي تناظر قيمة النسبة التائية الدالة (ت) نظرا لأن أحد المتغيرين من المستوى الأسمى والآخر من المستوى الفتري، وذلك باستخدام الصيغة التالية:
ر ث م =
أع
حيث د ح ترمز إلى درجات الحرية وتساوى (ن1+ ن 2)- 2
حيث ن1 = عدد المحافظات الجاذبة و ن 2= عدد المحافظات الطاردة ومربع قيمة هذا المعامل تدل على نسبة التباين في المتغير الفترى (المتغير التابع) الناجم عن انتماء محافظة معينة إلى إحدى المجموعتين (جاذبة / طاردة) (علام، 1993: 202، 203).
نتائج الدراسة
أولا: تحديد المحافظات الجاذبة والطاردة للمهاجرين
في ضوء تعريف المحافظة الجاذبة للمهاجرين بأنها تلك التي تحقق صافى هجرة موجب، والمحافظة الطاردة بأنها تلك التي تحقق صافى هجرة سالب، يتبين من جدول (1) أن 12 محافظة من محافظات مصر تعتبر جاذبة للمهاجرين في عام 2006، وهى محافظات الجيزة والقليوبية والإسماعيلية والإسكندرية وبورسعيد والسويس والبحر الأحمر والقاهرة ومطروح وجنوب سيناء وشمال سيناء والوادي الجديد، مرتبة تنازلياً، بينما يبلغ عدد المحافظات الطاردة للمهاجرين 15 محافظة هي الأقصر وأسوان ودمياط وكفر الشيخ والبحيرة وبنى سويف والفيوم وقنا والمنيا والغربية والشرقية وأسيوط والمنوفية وسوهاج والدقهلية مرتبة تصاعدياً وفقاً لحجم صافى الهجرة السالب.
ويلاحظ أن المحافظات الجاذبة للسكان تقع في إقليم القاهرة (الجيزة والقليوبية والقاهرة)، وإقليم القناة (الإسماعيلية وبورسعيد والسويس)، وإقليم الإسكندرية (الإسكندرية ومطروح)، بالإضافة إلى المحافظات الحدودية الأخرى وهي: جنوب سيناء وشمال سيناء والبحر الأحمر والوادي الجديد. بينما تضم المحافظات الطاردة للمهاجرين جميع محافظات الوجه القبلي ومعظم محافظات الوجه البحري.
وتستحوذ محافظات إقليم القاهرة وحدها على حوالي 56% من جملة عدد الوافدين وحوالي 28% من جملة النازحين، بينما تستحوذ محافظات القناة الثلاث على حوالي 17% من جملة الوافدين، وحوالي 3ر2% من جملة النازحين. وفى حين تستحوذ محافظات الوجه القبلي على حوالي 6% فقط من جملة الوافدين فإنها تستحوذ على حوالي 30% من جملة النازحين. وبينما تستحوذ محافظات الوجه البحري (دمياط وكفر الشيخ والبحيرة والغربية والشرقية والمنوفية والدقهلية) على أقل من 11% من جملة الوافدين، فإنها تستحوذ على حوالي 37% من جملة النازحين.
ويلاحظ من بيانات الجدول أيضا أن القاهرة هي أكبر المحافظات من حيث كل من عدد الوافدين وعدد النازحين في نفس الوقت، ولذا فإن صافى هجرتها لا يضعها إلا في المرتبة الثامنة بين المحافظات الجاذبة للمهاجرين.
جدول (1) التوزيع العددي والنسبي لجملة الوافدين إلي والنازحين من محافظات الجمهورية وصافي الهجرة الإجمالي في عام 2006
المحافظة
جملة الوافدين إلى المحافظة
جملة النازحين من المحافظة
صافي الهجرة الإجمالي
عدد
%
الجيزة
700011
18.69
130127
3.47
569884
القليوبية
530562
14.17
110750
2.96
419812
الإسماعيلية
263518
7.04
38335
1.02
225183
الإسكندرية
269954
7.21
90545
2.42
179409
بورسعيد
190438
5.08
20067
0.54
170371
السويس
190185
28511
0.76
161674
البحر الأحمر
77797
2.08
6085
0.16
71712
القاهرة
849131
22.67
794022
21.20
55109
مطروح
41897
1.12
4418
0.12
37479
جنوب سيناء
39094
1.04
1648
0.04
37446
شمال سيناء
46839
1.25
10437
0.28
36402
الوادي الجديد
26676
0.71
7922
0.21
18754
الأقصر
4479
18456
0.49
-13977
أسوان
31791
0.85
54612
1.46
-22821
دمياط
29884
0.80
61135
1.63
-31251
كفرالشيخ
26722
82489
2.20
-55767
البحيرة
102361
2.73
167446
4.47
-65085
بني سويف
16579
0.44
105141
2.81
-88562
الفيوم
7070
0.19
131666
3.52
-124596
قنا
23184
0.62
163727
4.37
-140543
المنيا
13518
0.36
162621
4.34
-149103
الغربية
35179
0.94
186831
4.99
-151652
الشرقية
127351
3.40
321063
8.57
-193712
أسيوط
18112
0.48
216814
5.79
-198702
المنوفية
41478
1.11
245240
6.55
-203762
سوهاج
9111
0.24
269901
-260790
الدقهلية
32419
0.87
315331
8.42
-282912
الإجمالي
3745340
100
0
المصدر: حسابات الباحثين من بيانات التعداد العام للسكان عام 2006.
ثانياً: المقارنة بين المحافظات الجاذبة للمهاجرين والمحافظات الطاردة للمهاجرين في المؤشرات التنموية
بمقارنة متوسطات المؤشرات التنموية لكل من مجموعتي المحافظات الجاذبة والمحافظات الطاردة للمهاجرين الموضحة في جدول (2) يتبين ما يلي:
ثالثاً: نتائج اختبار فروض الدراسة عن علاقة الهجرة الداخلية بالمؤشرات التنموية
للتحقق من دلالة الفروق بين متوسطات المؤشرات التنموية لمجموعتي المحافظات الجاذبة والطاردة للمهاجرين، واختبار فروض الدراسة، أجرى اختبار النسبة التائية التي توضح نتائجه الواردة في جدول (2) وجود فروق معنوية إحصائيا بين متوسطات المحافظات الجاذبة للمهاجرين والمحافظات الطاردة للمهاجرين في مؤشرات دليل التنمية البشرية ودليل التعليم ونسبة الأسر المتصلة بشبكة صرف صحي ومتوسط عدد المشتركين في خدمة الانترنت لكل ألف من السكان وكانت قيم (ت) موجبة لكل هذه المتغيرات، مما يدعم فرص الدراسة الأول فيما يتعلق بعلاقة المحافظات الجاذبة والطاردة بهذه المتغيرات أو المؤشرات التنموية الموجبة، ولم تدعم النتائج فرص الدراسة فيما يتعلق بمؤشري دليل الناتج المحلي الإجمالي ودليل توقع الحياة.
جدول (2) علاقة الهجرة الداخلية بين محافظات مصر في عام 2006 ببعض المؤشرات التنموية
م
المتغير (المؤشر التنموي)
المتوسط
قيمة ت
قيمة ر
ر2
المحافظات الجاذبة
المحافظات الطاردة
1
دليل التنمية البشرية
0.738
0.706
3.898**
0.61
0.38
2
دليل الناتج المحلي الإجمالي
0.680
0.016
-
3
دليل التعليم
0.765
0.679
4.516**
0.67
0.45
4
دليل توقع الحياة
0.768
0.760
1.356
5
نسبة الأسر المتصلة بشبكة صرف صحي
66.400
34.580
3.907**
6
متوسط عدد المشتركين في خدمة الإنترنت/ 1000 من السكان
122.080
42.747
3.073**
0.52
0.27
7
نسبة الفقراء من السكان
10.483
23.790
- 2.605*
0.46
8
النسبة المئوية لقوة العمل في الزراعة
10.058
39.633
- 7.535**
0.83
0.69
9
نسبة البطالة
8.527
8.973
- 0.372
10
معدل النمو السنوي للسكان 1996- 2006 %
3.508
2.013
2.263**
0.41
0.17
11
نسبة الإعالة الديموجرافية
63.792
76.073
- 3.593**
0.58
0.34
* * معنوية احصائياً عند المستوى الاحتمالي ≤0.01 * معنوية عند المستوى الاحتمالي ≤0.05
وتوضح قيم ت أيضا وجود فروق معنوية إحصائيا بين المحافظات الجاذبة والمحافظات الطاردة للمهاجرين في كل من نسبة الفقراء والنسبة المئوية لقوة العمل في الزراعة، ونسبة الإعالة الديموجرافية، وكانت قيم (ت) سالبة بما يدعم فرض الدراسة الثاني من أن المحافظات الجاذبة للمهاجرين أقل من المحافظات الطاردة للمهاجرين في هذه المؤشرات التنموية السالبة، ولم تدعم النتائج فرص الدراسة فيما يتعلق بمتغير نسبة البطالة.
تشير النتائج أيضا إلى وجود فرق معنوي إحصائيا عند مستوى معنوي 0.05 بين المحافظات الجاذبة والطاردة في معدل النمو السكاني خلال الفترة 1996-2006 ولكن في عكس اتجاه فرض الدراسة حيث كانت قيمة ت موجبة، بمعنى أن المحافظات الجاذبة هي الأعلى في معدل النمو السكاني الأمر الذي لا يدعم فرص الدراسة في هذه الجزئية.
وتشير قيم (ر2) إلى أن متغير النسبة المئوية لقوة العمل في الزراعة يفسر حوالي 69% من التباين في المتغير التابع (كون المحافظة جاذبة أو طاردة للمهاجرين) وذلك في إطار العلاقة الثنائية بين المتغيرين، ويفسر دليل التعليم 45% من التباين في المتغير التابع وتفسر نسبة الإعالة الديموجرافية 34%. من التباين في المتغير التابع، ويفسر دليل التنمية البشرية حوالي 38%، ويفسر متوسط عدد المشتركين في خدمة الانترنت لكل ألف من السكان حوالي 27% من التباين في المتغير التابع وتفسر نسبة الفقراء من السكان 21% من التغير في المتغير التابع وذلك في إطار العلاقة الثنائية بين المتغيرين.
المناقشة والمقترحات
فيما يلي مناقشة وتعليق على بعض النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ويعقبها تقديم بعض المقترحات المبنية على النتائج:
1-المتفحص لنتائج الدراسة يرى أن مسار الهجرة الداخلية في مصر يتجه نحو محافظات إقاليم القاهرة والإسكندرية والقناة قادماً من محافظات أقاليم الصعيد والدلتا، أي أن المهاجرين غالباً ما ينزحون من المحافظات الريفية التي يغلب عليها النشاط الزراعي إلى المحافظات الحضرية التي يقل فيها النشاط الزراعي وتتنوع فيها الأنشطة الاقتصادية والخدمات مما يشكل مصدر جذب لبعض سكان الدلتا والصعيد، بعد أن أصبحت الزراعة عاجزة عن استيعاب الطلب المتزايد على فرص العمل في تلك المحافظات، وفى غيبة الأنشطة الاقتصادية والمشروعات التنموية الكافية لتوفير فرص العمل المطلوبة والخدمات الملائمة.
ولعل ما كشفت عنه إحدى نتائج الدراسة من أن النسبة المئوية لقوة العمل في الزراعة هي المتغير الذي يفسر أكبر نسبة من التباين في صافى الهجرة بين المحافظات يدعم الاستنتاج السابق.
2-تدعم نتائج الدراسة بصفة عامة ما ذهبت إليه نظريات الهجرة وما أكدته نتائج كثير من الدراسات من أن الهجرة الداخلية هي محصلة لتباين مستويات التنمية في المجتمع، حيث تتسم المناطق الجاذبة للمهاجرين بمستوى تنموي أعلى من تلك الطاردة للمهاجرين، فقد اتضح من نتائج الدراسة أن المحافظات الجاذبة للمهاجرين كانت أعلى من المحافظات الطاردة للمهاجرين في تسع من المؤشرات التنموية الأحد عشر التي تم دراسة علاقتها بالهجرة ومتساوية في مؤشر عاشر، وإن كان لسبع فقط من تلك المؤشرات تأثير معنوي إحصائيا على صافى الهجرة الداخلية بين المحافظات، مما يوفر دعما للعلاقة المفترضة بين الهجرة والتنمية.
3-المتغير الوحيد الذي جاءت نتائجه على عكس ما كان متوقعا، أي على عكس فرض الدراسة هو متوسط معدل النمو السنوي للسكان، فقد كان مفترضا أن المحافظات الطاردة هي أعلى في معدل نموها من المحافظات الجاذبة على أساس أن المحافظات الطاردة التي يغلب عليها الطابع الريفي والزراعي عادة ما تتسم بمعدلات خصوبة بشرية أعلى من المحافظات الجاذبة التي تتسم بمستوى معيشي أعلى ومن ثم يتوقع أن تؤدى الخصوبة العالية إلى معدل نمو سكاني أكبر. وعلى الرغم مما في هذه المقولة من صحة إلا إنها تغفل حقيقة أن النمو السكاني يتأثر أيضا بعامل الهجرة، أي بالفرق بين عدد النازحين والوافدين، وليس بعامل الخصوبة والمواليد فقط، وبالتالي فهناك عاملان يؤثران على معدل النمو السكاني في المحافظات ولكن في اتجاهين متعاكسين، فالخصوبة العالية تزيد من معدل النمو السكاني في المحافظات الطاردة بينما صافى الهجرة الموجب يزيد من معدل النمو السكاني في المحافظات الجاذبة، ويبدو أن هذا العامل الأخير كانت له الغلبة في الدراسة الحالية، ومن ثم اتسمت المحافظات الجاذبة للمهاجرين بمعدلات نمو سكاني أعلى من المحافظات الطاردة للمهاجرين. وعلى ذلك ينبغي التعامل بحذر مع مؤشر معدل النمو السنوي للسكان عند دراسة علاقته بالتنمية والهجرة.
4-على الرغم من أن متوسط نسبة البطالة في المحافظات الجاذبة أقل من متوسط نسبة البطالة في المحافظات الطاردة إلا أن هذا الفرق بين المتوسطين لم يكن معنويا إحصائيا، ويمكن تفسير التقارب بين متوسط نسبة البطالة في المحافظات الجاذبة والطاردة بأن الهجرة إلى المحافظات الجاذبة تعمل على رفع نسبة البطالة في تلك المحافظات نتيجة عدم قدرة فرص العمل في تلك المحافظات على ملاحقة الطلب المتزايد عليها من جانب السكان المحليين من جهة والوافدين إليها من جهة أخرى ولذا يمكن أن يتوقف عامل الهجرة من أجل فرص العمل عن كونه جاذبا للمهاجرين في المستقبل القريب، بعد أن يدرك الراغبون في الهجرة إلى تلك المحافظات الجاذبة أن توافر فرص العمل بها أصبح سراباً.
5- دليل مؤشر التنمية البشرية المستخدم الذي أظهرت نتائج في الدراسة أن له تأثير معنوي إحصائيا على الهجرة يتكون من ثلاثة مؤشرات تنموية فرعية هي: دليل الناتج الإجمالي المحلى، ودليل توقع الحياة، ودليل التعليم، ولما استخدمت هذه المؤشرات الفرعية منفردة تبين أن مؤشر التعليم هو فقط المؤثر بينما لم يكن للمؤشرين الآخرين تأثير يذكر، بل إن دليل التعليم وحده كان له تأثير يفوق تأثير المؤشرات الثلاثة مجتمعة في دليل التنمية البشرية، مما يعطى لمتغير التعليم أهمية كبيرة، ليس فقط كعامل مهم في عملية التنمية المجتمعية، بل أيضا كعامل مهم في تحديد مسار الهجرة الداخلية، إذ تبين بوضوح أن المهاجرين ينزحون من المناطق الأقل تعليماً إلى المناطق الأكثر تعليماً.
6-على الرغم من اختلاف وتنوع المؤشرات التنموية المستخدمة في الدراسة ما بين مؤشرات اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية إلا أنها في غالبيتها قد أظهرت قدرا كبيرا من الاتساق فيما بينها ظهر ذلك في تأثيرها المتسق على مسار واتجاه الهجرة الداخلية، الأمر الذي يظهر أهمية الحرص على توافر عناصر التكامل والشمول والاتزان في عمليات التنمية المجتمعية.
مما سبق يتضح بجلاء أن الهجرة العشوائية وغير المنضبطة بما ينجم عنها من آثار ضارة للمناطق المهاجر إليها وللمهاجرين أنفسهم في أحيان كثيرة إنما هي إحدى عواقب الفجوة التنموية الواسعة بين المحافظات الجاذبة للمهاجرين والمحافظات الطاردة لهم، ومن ثم فإن معالجة تلك الظاهرة يتطلب العمل على تضييق تلك الفجوة التنموية، واستعادة التوازن المفقود في عملية التنمية المجتمعية.
ويتطلب تحقيق ذلك إعطاء أولوية في الجهود التنموية لمناطق الطرد السكاني، وهى كما أوضحت نتائج الدراسة في المقام الأول محافظات الصعيد ومعظم محافظات الوجه البحري، وتتسم معظم هذه المحافظات بغلبة الطابع الريفي والزراعي، بمعنى أن تحظى تلك المحافظات بالقدر الأكبر من البرامج والمشروعات التنموية المستقبلية، سواء المشروعات الإنتاجية أو الخدمية.
ولابد من العمل على تنويع الأنشطة الاقتصادية في تلك المحافظات بعد أن أصبح واضحاً أن الزراعة مهما تم تنميتها لن تكون كافية لاستيعاب الطلب المتزايد على فرص العمل، في ظل محدودية الأراضي الزراعية والمتاح من مياه الري. ومع ذلك ينبغي عدم إهمال التنمية الزراعية، وبصفة خاصة في مجال مواجهة مشكلة البناء على الأراضي الزراعية، وتعظيم العائد من وحدة المياه وتحسين ممارسات الري الحقلي، والتوسع في تنظيم جمعيات مستخدمي المياه وتحديد المساحات المنزرعة بالمحاصيل المستهلكة لكميات كبيرة من مياه الري، هذا بجانب التركيز على التطوير المؤسسي وتنمية الموارد البشرية من خلال تطوير منظومات الإرشاد الزراعية والبحوث والائتمان الزراعي.
ويتطلب تنويع الأنشطة الاقتصادية وبالتالي تنويع مصادر الدخل في مناطق الطرد السكاني الاهتمام بتنمية النشاط الصناعي وبصفة خاصة الصناعات الصغيرة التي يمكن أن تستوعب كثيراً من الأيدي العاملة وأن توفر مصادر للدخل لكثير من سكان تلك المحافظات. ولكن ذلك بدوره يتطلب توافر منظومة إدارية قادرة على الرؤية التكاملية لمتطلبات نجاح مثل هذه الصناعات من توافر المواد الخام ومراكز التدريب ودراسات الجدوى والتسهيلات التسويقية والائتمانية إلى غير ذلك من مقومات تلك الصناعات.
وفي مجال الحديث عن تقريب الفجوة ما بين المحافظات الجاذبة والطاردة للسكان يمكن القول بأن هذه الفجوة قد تضيق وربما تتلاشى حتى بدون الجهود التنموية المقترحة، وذلك نتيجة لتدهور الأحوال المعيشية في المحافظات الجاذبة وليس نتيجة لتحسن الأحوال المعيشية في المحافظات الطاردة. وللأسف توجد بعض الشواهد التي تشير إلى إمكانية حدوث ذلك، كما ظهر من بعض نتائج الدراسة من تقارب نسب البطالة في كل من المحافظات الطاردة والجاذبة أو زيادة معدل النمو السكاني في المحافظات الجاذبة عنه في المحافظات الطاردة، في ظل توزيع سكاني على المساحة الأرضية يتسم باختلال واضح، حيث يتمركز السكان المصريون في حوالي 7.8% من حملة المساحة الأرضية (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2008) مما أدى إلى ارتفاع الكثافة السكانية في الجزء المعمور ارتفاعاً شديداً، ولا يخفى ما لارتفاع الكثافة السكانية في كثير من المدن المصرية، بل والقرى أيضا، من آثار سلبية على البيئة والموارد الطبيعية، أو على الخدمات والمرافق العامة، بالإضافة إلى آثارها السلبية على السكان صحياً واجتماعياً ونفسياً، بل وأمنياً أيضاً، وفى ظل هذا الواقع فإن حل مشكلة الهجرة العشوائية في مصر لا يمكن أن تتم بمعزل عن التنمية الشاملة للمجتمع المصري ككل، ولكن من الضروري مراعاة أن تكون تلك التنمية متوازنة وعادلة.
لقد نتجت مشكلة سوء التوزيع السكاني في مصر بالدرجة الأولى من إغفال التفكير في تعمير الصحراء عصوراً طويلة، وعدم التوسع الأفقي من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة من السكان، وتخفيف الضغط على المناطق القديمة وحتى بعد أن بدأت الدولة تدرك أهمية تعمير الصحاري منذ الخمسينات من القرن الماضي، فإن الجهود التي بذلت في هذا المجال كانت تفتقر إلى استراتيجية محددة وواضحة المعالم لتوزيع السكان على هذه المناطق، كما ينقصها النظرة التكاملية، وتفتقد التنسيق الكافي بين الهيئات المختلفة التي تعمل في هذا المجال.
لقد آن الأوان لتبنى سياسات تنموية واضحة تستهدف الخروج من الوادي الضيق، والتوسع أفقيا في الصحراء، من خلال إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة، في ظل مشروعات تنموية عملاقة كتلك التي ما سمع عنها كثيراً ولا يرى لها ظلا في الواقع، والتي من بينها مشروع ممر التنمية للدكتور فاروق الباز، ومشروع الدكتور ممدوح حمزة للتنمية العمرانية، ومشروعات تعمير سيناء، ومشروعات تنمية منطقة قناة السويس، ومشروع الدكتور رشدي سعيد للتنمية الصناعية في الصحراء الغربية، ومشروع شرق العوينات وغيرها من المشروعات الطموحة التي امتلأت بها برامج المرشحين للرئاسة، والتي لو نفذ بعضها لانتقلت مصر إلى مصاف الدول الغنية، ولأمكن لها أن تحل كثيرا من مشاكلها الحالية ومن بينها مشكلة الهجرة العشوائية التي تقوم على أساس قرارات فردية، بعد أن يحل محلها الهجرة المخططة أو التهجير الواعي الذي يمكن أن يعيد التوزيع السكاني على أسس تنموية سليمة، وحتى لا تكون الهجرة الفردية العشوائية، والمتوقع أن تستمر في كل الأحوال، سببا في تفاقم المشاكل السكانية في مصر.
في الختام فإنه يمكن الاتفاق تماماً مع رأى الدكتور جامع (2010: 260) في أن الحل الحقيقي لجميع مشكلات المجتمع المصري يتمثل في تغييرات جذرية تبدأ بالإرادة السياسية العليا، والالتزام بالقيم التنموية السامية، ووضع دستور جديد يتمشى مع تلك القيم، ووضع تنظيم حكومي لا مركزي، وإطلاق الحرية للمجتمع المدني والقطاع الخاص، وإجراء التغيرات المؤسساتية المطلوبة، والعمل على تحقيق التوازن والاستقلال بين السلطات الثلاث في الدولة، وذلك لتحقيق التنمية الشاملة الحقيقية لهذا البلد.