دكتوراه فلسفة في العلوم الزراعية
للهجرة أهمية كبيرة في مصر لأن مصر من الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة بسبب محدودية فرص التوسع الأفقي وذلك لنقص الموارد، وبالتالي يؤدي هذا النمط من النمو السكاني إلى تناقص وتفتت الحيازات الزراعية، وما يترتب على ذلك من ضعف نصيب الفرد من المساحة المنزرعة والمحصولية، ونقص المعروض من فرص العمل في القطاع الزراعي، كذلك ضعف الدخل الزراعي وارتفاع معدلات الفقر، وإلى ماغير ذلك من الآثار السلبية الأخرى. كذلك ثبات نسبة كل من سكان الريف والحضر في التعدادات الأربعة الأخيرة على الرغم من ارتفاع الخصوبة في الريف عن الحضر، وهذا من شأنه يثير التساؤل عن السبب وراء ذلك، وهل يمكن القول بأن مصر تشهد هجرة عكسية، كذلك عمل خريطة توضح فيها مناطق الجذب والطرد وعلاقة ذلك بالمستوى التنموي لكل من مناطق الجذب والطرد، وما لذلك من أهمية في توجيه السياسات والخطط التنموية المناسبة.
لذا سعت الدراسة الحالية إلى تحقيق عدد من الأهداف هي تحديد كل من المحافظات والأقاليم التخطيطية والمناطق الحضرية والمناطق الريفية الجاذبة والطاردة للمهاجرين في عام 1996و عام 2006، التعرف على علاقات الجذب والطرد على مستوى كل محافظة في عام 1996 وعام 2006، والتعرف على التغيرات التي حدثت في التعدادين، وتحديد حجم الهجرة وتغيره في التعدادات الأربعة الأخيرة، وتحديد الفروق التنموية بين المحافظات الجاذبة والطاردة للمهاجرين، وأخيراً تقديم مقترحات يمكن الاستفادة منها في مجال ضبط الهجرة الداخلية.
وقد اشتملت منهجية الدراسة على تحديد المجال الجغرافي للدراسة حيث تغطي الدراسة الحالية جمهورية مصر العربية بمحافظاتها المختلفة وكذلك محافظات أقاليمها التخطيطية السبعة، وعلى مستوى المناطق الريفية والحضرية في محافظات الجمهورية ومحافظات الأقاليم التخطيطية، ويتكون المجال البشري للدراسة الحالية من جميع سكان جمهورية مصر العربية وفقاً لبيانات التعداد العام للسكان لعامي 1996 و 2006 وقد تم الحصول على البيانات من التعدادات العامة للسكان، وتقرير التنمية البشرية لمصر لعام 2008.
واستخدمت الدراسة متغير صافي الهجرة الداخلية كمتغير رئيسي وهو الفرق بين عدد المهاجرين الوافدين والمهاجرين النازحين بعد تحويله إلى متغير اسمي مكون من فئتين هما: مناطق جاذبة إذا كان صافي الهجرة موجباً ومناطق طاردة إذا كان صافي الهجرة سالباً، أما المتغيرات الأخرى فهي الخاصة بمؤشرات التنمية البشرية للمحافظات في عام 2006 والواردة في تقرير التنمية البشرية لمصر عام 2008، والتي تشتمل على أحد عشر مؤشراً من مؤشرات التنمية البشرية، بعضها مؤشرات ذات دلالة إيجابية على المستوى التنموي وهي دليل التنمية البشرية ودليل الناتج المحلي الإجمالي، ودليل توقع الحياة ودليل التعليم ونسبة الأسر المتصلة بشبكة صرف صحي، ومتوسط عدد المشتركين في خدمة الإنترنت لكل ألف من السكان. ومؤشرات ذات دلالة سلبية على المستوى التنموي وهي نسبة الفقراء من السكان، والنسبة المئوية لقوة العمل في الزراعة، ونسبة البطالة، ومعدل النمو السنوي للسكان، ونسبة الإعالة الديموجرافية. وقد سعت الدراسة إلى اختبار فرضان بحثيان أولهما أنه من المرجح أن تكون المحافظات الجاذبة للمهاجرين أعلى من المحافظات الطاردة للمهاجرين في كل من دليل التنمية البشرية، ودليل الناتج المحلى الإجمالي، ودليل التعليم، ودليل توقع الحياة، ونسبة الأسر المتصلة بشبكة صرف صحي، ومتوسط عدد المشتركين في خدمة الانترنت/ 1000 من السكان، والثاني من المرجح أن تكون المحافظات الجاذبة للمهاجرين أقل من المحافظات الطاردة للمهاجرين في كل من: نسبة الفقراء من السكان، والنسبة المئوية لقوة العمل في الزراعة، ونسبة البطالة بين السكان، ومعدل النمو السنوي للسكان في الفترة 1996- 2006، ونسبة الإعالة الديموجرافية.
واستخدمت الدراسة اختبار tلاختبار معنوية الفروق بين متوسطي مجموعتي المحافظات الجاذبة والطاردة للمهاجرين في المؤشرات التنموية، ومعاملات الارتباط لقياس قوة العلاقة الثنائية بين المتغيرات في عام 2006.
وقد أسفرت الدراسة عن عدة نتائج يمكن إيجاز أهمها فيما يلي:
1- أظهرت نتائج الدراسة أنه لم تحدث تغيرات جوهرية بين تعدادي 1996 و 2006 في المحافظات الجاذبة والمحافظات الطاردة للمهاجرين، ولم تتغير سوى محافظة واحدة هي محافظة القاهرة، حيث انتقلت من المحافظات الطاردة للمهاجرين في تعداد 1996 إلى جاذبة لهم كسابق عهدها في التعدادات السابقة واللاحقة لتعداد 1996.
2-أظهرت النتائج الخاصة بتيارات الهجرة الداخلية في تعداد 1996حدوث ظاهرة الهجرة العكسية في مصر على عكس ما كان متوقعاً، حيث كان تيار الهجرة من الريف إلى الحضر دائماً أكبر من تيار الهجرة من الحضر إلى الريف.
3-تبين أن تيار الهجرة الريفية الريفية كان أقوى من تيار الهجرة الريفية الحضرية.
4- أشارت النتائج إلى أن المحافظات الريفية التقليدية في الدلتا كانت جميعها محافظات طاردة للسكان في التعدادين.
5- أظهرت النتائج أن محافظات صعيد مصر كانت طاردة للمهاجرين في التعدادين.
6- اتضح من النتائج أن محافظات الحدود أصبحت أكثر جذباً للمهاجرين، حيث أن عدد الوافدين إليها في اضطراد مستمر من تعداد إلى آخر في التعدادات الأربعة الأخيرة.
7- أشارت النتائج إلى أن محافظات القناة (بورسعيد والإسماعيلية والسويس) استمرت عبر التعدادات الأربع الأخيرة من المحافظات الجاذبة للمهاجرين.
8- تبين من النتائج التفصيلية للهجرة الحضرية أن حضر إثنتى عشرة محافظة في تعداد 1996 كان جاذباً للمهاجرين بينما كان حضر خمسة عشر محافظة طارداً للمهاجرين.
9- أظهرت النتائج أن الحضر الجاذب هو حضر محافظات إقليم القاهرة، وحضر المحافظات الحضرية، وحضر محافظات الحدود وحضر محافظات القناة.
10- تبين انخفاض عدد المحافظات ذات الريف الجاذب للمهاجرين في تعداد 2006 عنه في تعداد 1996 نتيجة تحول محافظتي كفر الشيخ والبحر الأحمر من محافظتين ذات ريف جاذب للمهاجرين إلى المحافظات ذات الريف الطارد للمهاجرين.
11- لوحظ أن المحافظات ذات الريف الجاذب للمهاجرين هي المحافظات التي يكون ريفها قريباً من الحضر الجاذب للمهاجرين.
12- تبين أن عنصر المسافة من العناصر المهمة المؤثرة على قرار الهجرة، حيث تبين أن أكبر حجم للوافدين والنازحين كان داخل المحافظة بين ريفها وحضرها في عام 1996.
13- المتفحص لنتائج الدراسة يرى أن مسار الهجرة الداخلية في مصر يتجه نحو محافظات إقاليم القاهرة والإسكندرية والقناة قادماً من محافظات أقاليم الصعيد والدلتا وذلك في التعدادين.
14- تبين وجود فروق في المستوى التنموي معنوية إحصائياً بين المحافظات الطاردة للمهاجرين في ثماني من المؤشرات التنموية لصالح المحافظات الجاذبة، وإن كان لسبع فقط من تلك المؤشرات تأثير معنوي إحصائيا على صافى الهجرة الداخلية بين المحافظات.
وقد قدمت الدراسة عدة مقترحات مستندة الى أهم نتائجها، ومن بين تلك المقترحات إعطاء أولوية في الجهود التنموية لمناطق الطرد السكاني، وهي في المقام الأول محافظات الصعيد ومعظم محافظات الوجه البحري، ضرورة العمل على تنويع الأنشطة الاقتصادية في تلك المحافظات، وخاصة العمل على تنمية النشاط الصناعي وبصفة خاصة في مجال الصناعات الصغيرة، مضاعفة الجهود المبذولة في تعمير الصحراء والتوسع الأفقي لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السكان، وتخفيف الضغط السكاني على المناطق القديمة، وإدراك أن حل مشكلة الهجرة العشوائية وما ينتج عنها من آثار سلبية لايمكن تخفيفها إلا في إطار علاقتها الوثيقة بعملية التنمية الشاملة في مصر.